طائفة القرّائين اليهود

 

القرَّاؤون هم فئة من اليهود تتمايز تمايزاً كبيراً عن اليهودية التلمودية وترفض الإضافات التي أدخلت على شريعة موسى من قبل الحاخامات، وعلى ذلك فهي لا تؤمن بالشريعة الشفوية (التلمود)، وهي الشريعة التي تزعم اليهودية الحاخامية أنها أعطيت للنبي موسى في طور سيناء وتناقلها الأنبياء فالحاخامون إلى أن دونت في الفترة الواقعة بين القرن الثالث والقرن السادس للميلاد، وبالتالي فإن إيمان القرَّائين يقتصر على التوراة وسفر يوشع باعتبارهما المصدرين الوحيدين للفكر الديني اليهودي ولتشريع الفرائض، ما يُقصر اعتقاد القرائين عليهما مع إسقاط كتابي النفيئيم والكتفوت (الأنبياء والكتابات) اللذين يشكّلان "التناخ" معاً مع موسى (ع) بحسب اعتقاد اليهودية السائدة.

يؤمن القرَّاؤون بالتفسير وبالتطبيق الحرفي للشريعة المكتوبة (التوراة) وينبذون الكتابات الأخرى التي تبعتها كالميشنه والجمارا (التلمود) وميشنه توراة (للحاخام موسى بن ميمون) وكل الأعمال الحاخامية الأخرى.. ويعتبرونها من أعمال البشر التي أُدخلت على الشريعة اليهودية بهدف تحريفها عن قصد أو عن غير قصد.

الخلاف بين القرائية واليهودية التلمودية (السائدة)، بما يخص الفكر الديني اليهودي لا يصل الى الخلاف حول الذات الإلهية وصفات الله، بل يتركز بشكل أساسي حول الاحكام الدينية اليومية والمناسبات، كأحكام يوم السبت وبعض المحرمات الواجب مراعاتها فيه، كما انهم يُقصّرون الصلاة اليومية على صلاتين بدلاً من ثلاث، ويختلفون بالتالي في وقتها وأسلوب إجرائها ويُسقطون الكثير من الأحكام والطقوس المتعلقة بها كعدم قراءة الأدعية الثمانية عشر في الصلاة.. إضافة الى ذلك، فللقرائين تقويماً خاصاً بهم يختلف عن التقويم العبري السائد. وإجمالاً فإن الفكر الديني القرّائي لا يتضمن هذا العدد الضخم من الأوامر والنواهي التي حددها الفكر الحاخامي عبر العصور والتي يصل عددها الى 613 فرضاً شرعياً أساسياً كما أجملها موسى بن ميمون في القرن العاشر للميلاد والتي أصبحت لاحقاً من المسلّمات لدى اليهودية التلمودية الأرثوذكسية ممن يشكل اتباعها اغلبية ساحقة من يهود فلسطين المحتلة.

تُرجع كتب الطائفة القرائية أصول القرّائين الى أيام يربعام الأول أول ملوك المملكة الشمالية، أي الى القرن العاشر قبل الميلاد حيث انقسمت في حينه المملكة العبرانية المتحدة الى مملكتين، مملكة يسرائيل الشمالية ومملكة يهودا الجنوبية، وبالتالي يعتبر القراءون أنفسهم احفاداً للأسباط العشرة الضائعة ( المملكة الشمالية). الا ان المسلّم به لدى المؤرخين، ان نشوء الطائفة القرائية يعود الى القرن الثامن بعد الميلاد على يد عنان بن داوود المولود في العراق، وان هذه الفرقة هي امتداد للفرق الرافضة للشريعة الشفوية التي نشطت لدى الحاخامين بعد "هدم الهيكل" في العام 70 م والتي أدت لاحقاً لتُشكّل التلمود.

تنظر القرائية الى الديانات الاخرى التي جاءت بعد الشريعة الموسوية بشكل مغاير تماماً لما تنظر اليه اليهودية التلمودية، ففي الوقت الذي لا تعترف به اليهودية التلمودية بالديانتين المسيحية والاسلامية وتنظر اليهما كناتج بشري، ترى القرائية ان عيسى (ع) ومحمداً (ص) هم أنبياء أرسلهم الله لخدمة البشر ولتبشيرهم (النبوة التوجيهية).

رفض القرّاؤون كسائر الطوائف والجاليات اليهودية التي قطنت أرجاء العالم الاسلامي الفكرة الصهيونية ومحاولات الصهاينة في أوائل القرن الماضي لإنشاء دولة يهودية في فلسطين. فمن ناحية، لم تكن الصهيونية تخاطبهم بل كانت تخاطب يهود أوروبا وتخصيصاً يهود شرق القارة، اضافة الى ان هؤلاء (القرائين) لم يكونوا معنيين بما يسمى بالمسألة اليهودية وأسباب نشوئها كونهم عاشوا في محيط اسلامي متسامح مع اندماج فيه الى حد كبير، وهو معاكس لما عاناه يهود اوروبا الشرقية في حينه..

يتوزع القرّاؤن اليهود على عدد من بلدان العالم (روسيا، الولايات المتحدة وفلسطين المحتلة)، ويصل تعدادهم في الكيان الاسرائيلي الى ما يزيد عن 20000 شخص معظمهم من أصل مصري هاجروا الى فلسطين في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي نتيجة الصراع العربي الصهيوني ونتيجة سوء فهم وإدراك لدى بعض القيادات العربية لواقع هذه الطائفة ولمعاملتهم معاملة الصهاينة. ويقطن القراؤون في فلسطين بشكل أساسي في كل من الرملة وأشدود وبئر السبع، ولا يتشاركون مع اليهود التلموديين في محاكمهم الشرعية، بل لهم محاكم خاصة بهم، ويميلون الى التزاوج داخل الطائفة نفسها. ونتيجة لعدم التجانس بين أفراد الطائفة القرائية واليهود الأرثوذكس، تسجل بين الحين والآخر خلافات وحوادث بينهما، خاصة في المناطق المشتركة.

غسان دبوق